حين تصبح الأيام اختبارًا للصبر والقوة.. وحين تصبح الليالي أطول مما يجب

حين تصبح الأيام اختبارًا للصبر والقوة.. وحين تصبح الليالي أطول مما يجب

في لحظة ما، تصبح الحياة اختبارًا لا يشبه أي شيء مررت به من قبل. ليست مجرد عقبة عابرة، وليست مجرد منعطف خاطف في الطريق، بل زلزال يهز كل شيء بداخلك، يقتلع ثباتك من جذوره، ويجعلك ترى نفسك من زاوية لم تعتدها. حينها، تدرك أن بعض التجارب لا تأتي لتُخاض، بل لتكشف من أنت حقًا، وما الذي تبقى منك بعد العاصفة.

وعندما تكون في قلب العاصفة، تجد نفسك في أماكن لم تخترها، على سرير أبيض بارد، بين جدران صامتة تشهد على كل ما تعيشه ولا تستطيع أن تخبر به أحدًا. في هذا المكان، الوقت لا يمضي بل يثقل، والليل لا يمر، بل يمتد وكأنه اختُزل في لحظة واحدة، لحظة لا تنتهي.

الأصوات حولك مألوفة لكنها غريبة: خطوات ممرضين، همسات في الممرات، أصوات أجهزة تراقب أنفاسك، تحصي نبضاتك، وكأنها تعدّ لك الأيام. تحاول أن تنام، لكن النوم لم يعد يأتي كما كان. وإن جاء، فهو مجرد هدنة قصيرة بين معركتين، استراحة محارب لم يختر الحرب، لكنه وجد نفسه وسطها بلا سابق إنذار.

هناك ليالٍ لا تنام فيها، ليس لأنك لا تريد، بل لأن النوم يصبح ترفًا لا تقدر عليه. هناك أيام تمضي فيها دون أن تفهم ما يحدث، تتظاهر بالتماسك وأنت في داخلك حرب لا تهدأ. هناك لحظات تشعر فيها أنك تُستهلك، أن الحياة تستنزفك ببطء، وكأنها تختبر صبرك حتى آخر قطرة.

تمرّ بك لحظات تسأل نفسك فيها: هل هذا مجرد كابوس؟ هل سأنهض يومًا وأكتشف أن كل هذا كان حلمًا سيئًا؟ لكن الحقيقة لا تمنحك هذا الهروب السهل. أنت هنا، في قلب العاصفة، بلا خيار سوى المواجهة. في مواجهة كهذه، تتغير معاييرك لكل شيء. تتلاشى الفروقات بين الأشياء التي كنت تراها “مهمة” وتلك التي كنت تظنها “تفاصيل صغيرة”. يصبح كل شيء إما حياة أو لا شيء. يصبح صوت داخلي يصرخ: إما أن تستمر، أو أن تضيع بالكامل.

لكن في وسط هذا كله، هناك لحظات صغيرة، لا تراها إلا عندما تكون في أضعف حالاتك. لمسة يد مطمئنة من شخص لا تعرفه، دعوة خافتة في منتصف الليل، ابتسامة عابرة من مريض في الغرفة المجاورة، شعاع ضوء يتسلل من نافذة صغيرة، وكأن الحياة تُذكّرك بأنها لم تنتهِ بعد.

لكنك تستمر، ليس لأنك أقوى مما ظننت، بل لأنك ببساطة لا تملك خيارًا آخر. لا أحد يعلم كيف ينجو حتى يجد نفسه وسط النار، يحترق لكنه لا يسقط. يتألم لكنه لا يتوقف. يعبر، ببطء، بألم، بتعب، لكنه يعبر.

ما كنتُ عليه قبل ذلك، وما أنا عليه الآن، ليسا الشيء ذاته. كنتُ أعتقد أن القوة تعني ألا تسقط أبدًا، لكنني تعلمت أن القوة الحقيقية تكمن في أن تنهض كل مرة، حتى عندما لا تشعر أنك قادر على ذلك. حتى عندما تشعر أن العالم كله ضدك، وأن الحياة لم تترك لك فرصة واحدة للنجاة، تنهض رغم ذلك.

وهكذا، ها أنا ذا، لا أقول إنني وصلت، لكنني لم أعد في الخلف. لا أقول إنني انتصرت، لكنني لم أُهزم. لا أقول إنني لم أتألم، لكنني تعلمت أن الألم ليس النهاية، بل بداية لشخص لم يكن ليُولد إلا من وسط النار.

“في أماكن كهذه، لا تقيس الوقت بالساعات، بل بالنبضات التي لم تتوقف، وباللحظات التي ظننت أنها النهاية، لكنها لم تكن سوى بداية أخرى.” 🔥