في هذا المكان، تنتهي الأدوار.. وتبدأ العزلة الصامتة

هنا، عند هذا المكتب، تتوقف الحياة كما أعرفها. لا أبواب زجاجية شفافة، لا أوراق تُملأ بلا معنى، لا توقيع روتيني… بل هو أكثر من ذلك. إنه الفاصل بين عالمين، حيث يقف الزمن على عتبته، مترددًا إن كان سيمضي أسرع أو يصبح ثقيلًا كالرصاص.
هنا، يُختصر الإنسان في رقم ملف، في بيانات تُعاد قراءتها ببرود، في سؤال مكرر عن اسمك وتاريخ ميلادك وكأنك لست الشخص الذي كان هنا قبل أسابيع، وكأنك لست أنت الذي يعود كل مرة، بنفس وجع الابتعاد، بنفس الإرهاق، بنفس القلب الذي يعرف أن هذه ليست مجرد ورقة دخول… بل هي بداية العزلة من جديد.
• هنا، تبدأ الأيام التي لا تُقاس بالساعات، بل بجرعات العلاج، بعدد الحقن، بعدد الأجهزة التي تراقبك كأنك لم تعد سيد جسدك.
• هنا، يتغير لون العالم، يصبح أبيضًا أكثر مما يجب، صامتًا أكثر مما يُحتمل.
• هنا، تترك خلفك كل شيء: البيت، الحياة، الأصوات التي كنت تعرفها، وحتى نفسك كما كنت تعرفها.
مكتب التنويم ليس مجرد مكان، إنه بوابة نحو اللازمن.
كم مرة جلست هنا؟ كم مرة سمعت نفس الجملة: “تفضل إرتح، شويات ويجيوا ياخذونك.”
وكم مرة شعرت أنني لم أعد شخصًا، بل حالة، ملف، موعد جديد في قائمة طويلة من المرضى الذين مروا من هنا قبلي وسيمر آخرون بعدي؟
هنا، يبدأ كل شيء من جديد… ولا أحد يعرف كيف سينتهي.
بالمناسبة اليوم كان ممطر جداً وأحببت إلتقاط هذه الصورة عند مدخل المستشفى:
