إلى كل الذين ابتعدت عنهم… عذرًا، لم أكن أنا

إلى كل الذين ابتعدت عنهم… عذرًا، لم أكن أنا

لا أحد يختفي هكذا بلا سبب، لا أحد يستيقظ يومًا ويقرر أن يغلق على نفسه أبواب العالم. الابتعاد ليس قرارًا، بل هو ما يحدث عندما يصبح كل شيء أثقل مما يُحتمل، عندما يصبح مجرد الحديث العادي مهمة شاقة، عندما يصبح الوجود بين الناس مرهقًا أكثر مما يمكن تفسيره.

لم يكن الأمر عنكم، لم يكن أنني لم أعد أريدكم في حياتي، لم يكن أنني لم أعد أشتاق إليكم، لم يكن أنني فضّلت العزلة عليكم… بل كان أنني لم أعد قادرًا على أن أكون كما كنتم تعرفونني.

حين تصبح المعركة رجلًا لرجل… بيني وبين نفسي

أعلم أنكم كنتم تريدون أن تكونوا بجانبي.
أعلم أنكم كنتم مستعدين لأن تحملوا عني بعضًا من هذا الثقل.
أعلم أنكم كنتم ستبقون، لو فقط فتحت الباب.

لكنني لم أستطع.
لأن هذه المعركة… لم يكن يمكن لأحد أن يخوضها معي.
كان يجب أن تكون أنا ضدّي. رجلٌ لرجل.

هناك معارك لا يُمكن أن تُخاض إلا وحيدًا، لا لأن الآخرين لا يريدون مساعدتك، بل لأن وجودهم لا يغيّر شيئًا في النتيجة. لأن الألم الذي يعيشه الإنسان في داخله لا يمكن لأحد أن يشعر به كما هو، لا يمكن لأحد أن يحمله عنك بالكامل، لا يمكن لأحد أن يخوضه بدلاً منك.

كنت أعلم أنكم كنتم تحاولون، لكنني في أعماقي كنت أرى أن هذه معركتي وحدي، كنت أشعر أنني لو سمحت لأحد بالدخول، سأُظهر ضعفًا لا أريده أن يُرى، سأكشف جزءًا مني لم أكن مستعدًا لمواجهته حتى مع نفسي.

كونك رجلًا يعني أنك تعتاد أن تخوض المعارك بصمت، أن تحمل أوجاعك دون أن تُظهرها، أن تقف حتى عندما تكون على وشك السقوط. لكن هناك معارك لا يكفي فيها الوقوف… هناك معارك تستهلكك بالكامل.

حين يصبح الحديث عبئًا… والصمت أهون الحلول

كل شيء تغيّر.

• الضحك لم يعد يأتي بسهولة، وإن جاء، كان يبدو غريبًا، كأنه شيء لا ينتمي إليّ بعد الآن.
• اللقاءات التي كانت مريحة، أصبحت ثقيلة، كأن كل دقيقة فيها تسرق من طاقتي شيئًا لا أعلم إن كنت أستطيع استرجاعه.
• الأسئلة العادية التي يطرحها الجميع دون تفكير أصبحت كوابيس، مثل: “كيف حالك؟” كيف أجيب على هذا السؤال دون أن أضطر للكذب؟

كنت أبحث عن مساحة لا تتطلب مني أن أكون قويًا، لا تتطلب مني أن أشرح، لا تتطلب مني أن أمثل أي شيء. ووجدت تلك المساحة في الصمت، في الابتعاد، في أن أكون مجرد اسم يظهر دون ظهور حقيقي، مجرد ذاكرة لشخص كان هنا، لكنه لم يعد كما كان.

الخوف من أن أكون عبئًا

هل تعرفون ما هو الشعور الأصعب؟

ليس الألم، وليس الحزن، وليس حتى المرض… بل الشعور بأنك عبء، بأنك حمل ثقيل على من حولك، بأن وجودك أصبح مرتبطًا بالقلق والأسئلة الصعبة والوجوه التي تملؤها الشفقة حتى لو لم تقصد.

لم أكن أريد أن أكون ذلك الشخص.
لم أكن أريد أن أكون سبب الحزن في عيون من أحب، لم أكن أريد أن ينظر إليّ أحد بشفقة، لم أكن أريد أن يسمعني أحد وأنا أقول: “أنا تعبان.”

فاخترت الاختفاء.

إلى الذين انتظروا… ولم يجدوني

أعلم أنني خذلتكم.
أعلم أنني كنت موجودًا في حياتكم يومًا ما، ثم اختفيت بلا تفسير، بلا وداع، بلا سبب واضح لكم.
أعلم أن بعضكم حاول، وبعضكم سأل، وبعضكم لم يفهم لماذا لم أعد كما كنت.

لكنني كنت أحاول البقاء واقفًا، ولم يكن لدي طاقة لأي شيء آخر.

كنت أظن أنني إن اختفيت لفترة، سأعود كما كنت، سأعود كما تعرفونني، سأعود وأملأ الفراغات التي تركتها في حياتكم، لكنني كنت أجهل أن هذا ليس شيئًا يمكن التحكم به بسهولة.

ما بين الشعور بالذنب… والعجز

هناك أشخاص توقعت أن يكون غيابهم عني طبيعيًا، لكن هناك آخرون لم أكن أتخيل أنني سأبتعد عنهم يومًا، ومع ذلك… حدث ذلك.

أحبكم، لكنني لم أكن أستطيع الاقتراب.
أفتقدكم، لكنني لم أكن أعرف كيف أعود دون أن أكون شخصًا ثقيلًا على قلوبكم.
أعتذر، لكنني لا أعلم إن كان الاعتذار كافيًا لتعويض الوقت الذي خسرناه.

لا أطلب منكم أن تفهموا كل شيء، ولا أطلب منكم أن تسامحوا غيابي، ولا حتى أن تعود الأمور كما كانت… لكن إن كان هناك شيء واحد يمكنني قوله، فهو أنني لم أنسَ، ولم أتخلى، ولم يكن الأمر اختياريًا كما يبدو من الخارج.

لقد خضت حربًا، معركة لم يكن فيها خصمي شخصًا آخر، بل كنت أنا.
لم يكن هناك سلاح، لكنني شعرت أنني أنزف في كل يوم.
لم يكن هناك ميدان قتال، لكنني كنت أسمع صوت المعركة في رأسي طوال الوقت.

في الحروب، هناك من يخرج منتصرًا، وهناك من يخرج منهكًا، بالكاد قادرًا على الوقوف.

أنا لم أخرج منتصرًا، ولم أُهزم تمامًا… لكنني أحاول أن أعود.

إلى كل الذين فقدتهم دون أن أقصد… عذرًا، لم أكن أنا.

إلى كل الذين شعروا أنني تخليت عنهم… لم يكن الأمر كذلك.

إلى كل الذين كانوا هنا يومًا ما… ما زلتم في قلبي، حتى لو لم أكن في حياتكم كما يجب.

“الغياب لا يعني النسيان، والصمت لا يعني أننا لا نهتم… أحيانًا، هو فقط الطريقة الوحيدة للبقاء.”