حين تبتسم بينما كل شيء في داخلك يتآكل

حين تبتسم بينما كل شيء في داخلك يتآكل

هناك ابتسامات لا تعني السعادة، بل تعني أنك قررت ألا تسقط أمام الجميع. أن تكون حاضرًا رغم أنك متآكل من الداخل، أن تلقي النكات رغم أنك الشخص الوحيد الذي لا يجدها مضحكة، أن تقول “أنا بخير” حتى عندما تصبح تلك الكلمة مجرد كذبة تحفظ بها ماء وجهك أمام العالم.

يعتقد البعض أن الألم يصرخ، أن المعاناة تعلن عن نفسها، أن كل من يتألم سينهار علنًا. لكن الحقيقة؟ بعض الألم صامت، يتسلل بداخلك كالنار تحت الرماد، يحرقك ببطء بينما تبدو لمن حولك “عادي، ما فيك إلا العافية.”

كيف يبدو أن تكون محطمًا لكنك ما زلت تبتسم؟

حين تنهض كل صباح، ليس لأنك ممتلئ بالحياة، بل لأن الحياة لا تمنحك رفاهية التوقف.

حين تنجز عملك بكفاءة، بينما ذهنك غارق في ألف معركة أخرى لا يراها أحد.

حين تضحك مع أصدقائك، ثم تعود إلى وحدتك وكأن الضحك لم يكن سوى قناع مؤقت.

حين يكون الألم في داخلك حقيقيًا، لكنك تُخفيه لأنك تعبت من شرح ما لن يفهمه أحد.

الناس لا يحبون الضعفاء، لذلك تتظاهر بالقوة

مهما كان من حولك قريبين منك، لا أحد يحب أن يرى شخصًا منهكًا دائمًا، محطمًا دائمًا، محاصرًا بواقعه. حتى أقرب الناس إليك، في مرحلة ما، سيتعبون من سؤالك “كيف حالك؟” إذا كانت الإجابة دائمًا “تعبان، بس ماشي الحال”. لذلك، تتعلم كيف تكون قويًا ليس لأنك تريد، ولكن لأنك مجبَر.

تتظاهر بأن الأمور تحت السيطرة، تجامل، تضحك، تساهم في الأحاديث السطحية، وتبدو وكأنك شخص طبيعي تمامًا. لا لأنك طبيعي، بل لأن العالم يكره أولئك الذين يعترفون بانكسارهم علنًا.

وحين يحين الوقت لتنهار؟ لا وقت لهذا الرفاهية

أحيانًا تشعر أن كل ما تحتاجه هو لحظة واحدة لتنهار، أن تجلس وحيدًا، أن تفك عقدة التعب المتراكمة داخلك، أن تعترف أنك لم تعد تستطيع. لكنك تعلم أن الانهيار ليس خيارًا متاحًا. لأن الحياة لن تتوقف، لأن العمل مستمر، لأن الالتزامات لا ترحم، لأن هناك من ينتظر منك المزيد، حتى وأنت بالكاد تستطيع إعطاء القليل.

فماذا تفعل؟ تبتسم، وتكمل يومك. ليس لأنك بخير، بل لأنك لا تستطيع فعل شيء آخر.

حين تصبح الحياة معركة يومية بلا نهاية

أن تعيش بهذه الطريقة، أن تستمر رغم كل شيء، أن تبتسم بينما كل شيء في داخلك يتآكل… هذا ليس ضعفًا، لكنه أيضًا ليس قوة. إنه شيء آخر، شيء لا يعرفه إلا من جربه: البقاء حيًا رغم أنك لم تعد تشعر بأنك كذلك.

“بعضنا لا يبحث عن السعادة، بل يبحث فقط عن يوم آخر يمر دون أن ينكسر أكثر.”