بين الوجود واللاوجود.. حين يصبح عقلك في مكان آخر
هناك مراحل يصل فيها الإنسان إلى حالة من اللااكتراث العاطفي مع فرط النشاط العقلي. لا شيء يستحق القلق، لكن عقلي ما زال يعمل. لا شيء يبدو مهمًا، لكن داخلي لا يتوقف عن التفكير. لا شيء يجعلك تنهار، لكن لا شيء أيضًا يجعلك تشعر أنك واقف بثبات.
لم يعد الواقع حقيقيًا كما كان، لكنه أيضًا ليس حلمًا. لم تعد المشاعر تصيبني كما كانت، لكنها لم تختفِ تمامًا. كل شيء تحوّل إلى حالة هذيان خفيف، مزيج من السكون والضجيج في نفس الوقت.
لماذا يحدث هذا؟ لا أعرف. هل هو شيء سيئ؟ لا أعلم.
كيف تبدو الحياة حين يصبح عقلي في مكان آخر؟
• أنظر للأشياء التي كانت تستهلكني من قبل وأجد أنها مجرد سيناريوهات متكررة لا تعني لي شيئًا الآن، ولكن مع صوت آخر في عقلي يقول “من المفترض أن تعني لك شيئًا!”.
• الناس يتحدثون، يناقشون، يختلفون، وأنا أشاهدهم من بعيد وكأنهم ممثلون في مشهد لا يخصني.
• حتى النوم لم يعد كما كان، الأحلام غامضة، غير مفهومة، كأنها تُبث على تردد ضعيف، كأن هناك خللًا في الإشارة.
• أحيانًا، أشعر وكأنني مجرد وعي بلا جسد، أُفكر بلا مشاعر، أُخطط بلا حافز، أُراقب بلا اهتمام.
أهذا ضعف؟ أم أنه مرحلة جديدة من الوعي؟
لم أعد أتفاعل كما كنت، لكنني أيضًا لم أمت. لم أعد أخاف، لكنني أيضًا لست شجاعًا. لم أعد أُرهق نفسي بالقلق، لكنني أيضًا لا أشعر بالطمأنينة.
أنا في المنتصف… لا إلى هنا ولا إلى هناك.
قد تكون هذه مجرد طريقة عقلي في إعادة تهيئة نفسه، قد تكون مرحلة انتقالية، أو قد تكون نسختي الجديدة التي لم أتعرف عليها بعد.
أم أن الأمر أعمق من ذلك؟
بعد كل ما مررتُ به، لم أخرج كما كنت، لم أعد أفكر كما كنت، لم أعد أرى الحياة بالطريقة التي رأيتها من قبل.
هناك شيء ما انكسر داخليًا، لكنه لم يتحطم تمامًا، هناك جزء لم يَعُد يعمل كما كان، لكنه لم يتوقف أيضًا.
ربما ما أشعر به الآن ليس غيابًا، بل هو إدراك مختلف، منظور لم أختره، لكنه أصبح جزءًا مني.
أنا لا أبحث عن إجابات، لأنني أعلم أنني لن أجدها.
أنا فقط أعيش، ليس بنفس الطريقة التي كنت أعيش بها سابقًا، لكنني ما زلت هنا، وما زلت أحاول أن أفهم ماذا يعني ذلك.
“أحيانًا، لا يعني أنني توقفت عن الشعور، بل يعني أن الشعور نفسه تغيّر بطريقة لا أستطيع تفسيرها.”