حين تتجلى رحمة الله في أقدارنا… وما كنا نظنه شقاء كان لطفًا خفيًا

في لحظات التعب والضعف، عندما تظن أن الحياة تسير ضدك، عندما ترى أن الأبواب تُغلق في وجهك، وأن الفرص تتبخر أمام عينيك، هناك شيء واحد لا يتغير، لا يتبدل، لا يغيب… رحمة الله التي تسبق كل شيء.
قد نظن أحيانًا أن ما يحدث لنا محض خسارة، أننا نُختبر فوق طاقتنا، أن الأمور تتساقط من أيدينا دون سبب واضح. لكن الحقيقة التي يدركها المؤمن بعد حين، هي أن الله لا يضيع عبده أبدًا، وأن كل تأخير، كل منع، كل فقدان… ما هو إلا تمهيد لشيء أعظم، شيء لم ندركه بعد، لكن الله قد أعدّه بحكمة تفوق عقولنا.
حين نظرتُ إلى الوراء… رأيت اللطف في كل شيء
أشياء كثيرة اعتقدتُ أنني فقدتها بسبب مرضي، بسبب تنويمي، بسبب الأقدار التي لم تكن كما توقعتها. لكنني أدركت لاحقًا أن الله كان يُهيئني لما هو أعظم، لما هو أصلح لي.
• تلك الفرص التي لم تأتِ… كانت مجرد سراب، والله صرفني عنها ليحميني.
• تلك الأبواب التي أُغلقت… لو فُتحت لكانت باب تعب أو فتنة، والله بلطفه أغلقها ليعوضني بغيرها.
• تلك الأيام الصعبة التي ظننت أنها نهايتي… كانت بداية إدراكي أن الله معي في كل نفس، في كل خطوة، في كل قرار لم أفهم حكمته إلا لاحقًا.
“وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم”
كل شيء مررت به، كل لحظة ضعف، كل نظرة للمستقبل كانت مشوشة، كل شعور بالضياع… في النهاية، كان يحمل داخله لمسة من رحمة الله.
يقول النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.” (رواه مسلم).
المؤمن لا يُهزم، لأن أي طريق يسلكه، وأي باب يُغلق في وجهه، هو جزء من حكمة الله. إن مُنع، فهو محمي. إن تأخر، فهو يُهيَّأ لما هو أفضل. إن ابتُلي، فهو يُرفع.
كم من موقف كنت أراه نقمة، واكتشفت لاحقًا أنه كان رحمة؟
كم من أمر كنت أتمنى حدوثه، ثم أدركت أن الله صرفه عني لأنه لم يكن ليصلحني؟
كم من طريق كنت أراه الأفضل، لكن الله أخرجني منه لأنه لم يكن الطريق الذي سيقودني إلى الخير؟
حين تفهم أن كل شيء بيد الله… يطمئن قلبك
اليوم، بعد كل ما مررتُ به، بعد كل التعب، بعد كل اللحظات التي لم أكن أفهم فيها ما يحدث، أدركتُ أنني لم أكن وحدي أبدًا. الله كان معي في كل شيء:
• في الضعف، كان قوتي.
• في الحيرة، كان هدايتي.
• في الألم، كان شفائي.
• في العزلة، كان معي حين لم يكن معي أحد.
يقول الله في كتابه الكريم: “إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (الشرح:6).
لم يقل الله “بعد العسر يسرًا”، بل قال “مع العسر يسرًا”، لأن الرحمة تأتي في قلب الألم، والفرج يولد في أعمق لحظات الضيق.
“وكان فضل الله عليك عظيمًا”
قد نظن أن الخير هو ما نريده نحن، لكن الخير الحقيقي هو ما يريده الله لنا.
قد نتمسك بشيء، وننسى أن يد الله ترفعه عنا لأنها تُجهز لنا ما هو أعظم.
قد نحزن على ما فقدناه، وننسى أن الله لا يأخذ منا شيئًا إلا ليعطينا ما هو أفضل منه.
واليوم، وأنا أنظر إلى كل شيء من بعيد، أقولها بكل يقين:
الله لم يتركني لحظة، لم ينسني، لم يغفل عني. كان معي حين لم يكن معي أحد، وسيظل معي، وهذا وحده يكفيني.
“كل ما ظننته سقوطًا كان رفعة، كل ما حسبته خسارة كان حفظًا، وكل ما ظننته ألمًا كان طريقًا إلى الرحمة.”